عزيزي المستوطن بقلب ما .. المستغرق بفكر ما .. ومستعمر عقل ما..

   

  قررت أن أكتب لك خطاباً سعيد هذه المرة .. وسأحارب كي يظل سعيد لانك لم تقترف أية ذنب سوي ترك عنوان بريدك علي الانترنت .. لا تفعل ذلك مجددا .. سأحكي لك يوما عن أضرار ترك بياناتك الشخصية في الهواء الطلق .. لانك قد تستدرج كائنات عجيبة تكتب لك خطابات أعجب ..
  علي أية حال نبدأ بالخبر السعيد .. بلغني أنه  تم تعييني بمشروع يقتضي أن أسافر فيه لبلد أجنبية لأشهر عدة .. أنا سعيدة حقاُ لأني أعشق السفر .. وأؤمن أنه يتيح لنا فرصة أن نكتشف آفاق وأبعادا في مجاهل أنفسنا .. لم نكن نظن أنها موجودة .. سعيدة لأن فريق عملي الجديد يبدو أنهم أناسا لطيفة .. ورفقتهم خفيفة سهلة .. رحم الله كل هين لين .. وأحببته أنا ..
   سعيدة لأني سأكون بجانب الجامعة التي أحلم أن أدرس بها يوما .. الأكاديمية الملكية للموسيقي .. هل أخبرتك أني أعزف آلة الكمان ؟ أدرسها آملة أنه في يوم من الأيام أستطيع أن أصبح عازفة ماهرة في أوركسترا كبيرة أحلق بها ومعهم وسط النجوم .. ما علينا .. غريب أن أحلامي وما أفعله ليس فيهم من بعض شئ .. لا يشبهون بعضا ولا يتوافقون .. ولكن لا بأس .. فهكذا ولدت وهكذا طبع علي جبيني أن أكون مجموعة متناقضات علي قدم وساق.. أعتقد أنه اذا بحثنا .. سنجد كل الناس كذلك .. كفانا فلسفة ..
    أخشى علي قلب أمي وأبي وأختي من الانفطار .. فأبي حتما سيظن أني لن أعد .. وأني سأجد راحة في البعد عنهم .. والاستغناء .. أكثر ما يؤلم الانسان أن يشعر بأنه قابل للاستغناء وأن لا أحدا يحتاجه بعد أن كان يحتاجه الجميع .. لا أعلم هل مازلت أتحدث في هذه اللحظة عن أبي وأمي أو عن نفسي ..
  وأخشي علي قلبي أنا من الانفطار اذا اضررت أن أسافر دون رغبة أبي .. فقط لأن رغباته وصوره لحياتي لا تتماشي مع رغباتي وصوري عن حياتي الشخصية .. وأن أتركه ونحن لسنا علي وفاق .. ولكنه طيب أبي .. سرعان ما ستصفو سماؤنا ..
  عزائي الوحيد أني أعرف أني بأمس حاجة الي مساحة شخصية .. الي متنفس ... والي تغيير سماء وهواء ..بعيدا عن يومي الحافل وحياتي السريعة الكثيفة ..
وأني ربما صرت أقرب اليك قارة .. فأزورك وتزورني تارة .. من يعلم ..

 سلام كثير جميل وطيب ..


                                                                  ر. أ . ز