عزيز القاطن بمكان ما ..

عزيز القاطن بمكان ما ..

   ابعث إليك من وطن ما .. من بقعة ما .. لا مباركة وتأبي أن تكون.. من أعلي مقعد خشبي وطاولة ما .. تطل على نافذة صغيرة , ذو ستارة رقيقة يتخللها ضوء ما .. هارب من شمس وسماء ما ..

   لا أعرف كيف أبدأ .. ومن أين أبدأ .. ولماذا أبدأ من الأساس .. فهذه أول مرة أكتب الي غريب مثلك .. لا أعرف ما الذي جعلني اكتب لعنوان ظهر عبثاُ في محرك البحث.. في بلدة لا تفقه لغتي .. ولا ثقافتي ولا اسمي ..  ولكني لم استطع أن أتمالك نفسي لسبب غير معروف .. كسائر خطاباتي ورسائل الكون التي قد أحيا وأموت دون أن أفقهها .. آخر خطاباتي تلك التي كنت قد كتبت لأبي وأنا كبيرة  مراراً لأعتذر له عن أخطائي أو أن أعترف بشي لم أجرؤ علي مواجهته بها .. وكان أبي يحتفظ بخطاباتي ويضحك كلما رآهم .. لا أعرف لماذا يضحك في حين كنت أبكي وأنا أكتبها .. ولكن كانت سماؤنا تصفو من بعدها .. فلا بأس ..

  كان أبي يراسلني منذ أن كنت في السادسة .. حتي بلغت السادسة عشر .. كان يكتب لي شعرا وأحاجي وأخبارا ومفاجآت وارشادات .. كان مغترباً .. وكنت مدللته .. وكانت خطاباته دربا من دروب التعويض ربما .. اشتياق ربما .. وحب مؤكدا  ..

  عثرت وأنا أفرغ صندوق أشعث مليئ بالتهاني لزواجي الذي كان يفترض به أن يكون سعيد , ولكنه ضل طريقه تماما حتى وقع من فوق تلة , علي آخر ما كتب أبي لي .. ألقيت بجميع المعايدات والتهانئ في سلة المهملات وتركت أقصوصة صغيرة تحمل كلمات أبي .. هل أخبرتك كم هو رائع خط يد أبي ؟ قضيت دهراً في محاولات بائسة لمحاكاته .. ولم أعرف ..

  لم يكن خط أبي هو الشئ الذي حاولت محاكاته .. فرطت عقودا من عمري .. أحاكي ذلك وتلك ولم يجاريني حظي .. لعل هذه مشكلتنا الأزلية .. أننا دوما في رحلة بحث عن شئ يشبهنا ونشبهه .. مسمي نعنون أنفسنا تحته .. كيان ننتمي إليه ونندرج تحته بأمان.. أن تحاول أن تدخل نفسك عنوة في واحد من هذه القوالب  .. حتي وإن إضررت لأن تتخلي عن بعضك .. وأوقات كلك .. وتقصقصه كي يتلائم .. فتتألم .. فتكرر المحاولة .. فتفشل .. فتلملم ما تبقي .. وتعيد الكرة بحثاُ عن إناء آخر غيره .. وهكذا ..

  ربما كان علي أن أدرك باكراً أنه ليس كل شئ يجب أن يكون نسخة ومن ثم مسخة .. أنه ليس علينا نحاول أن نطابق مواصفات ما .. وأن نتماشي مع أية قوالب ولا أي أحد من الأساس .. وأن بعضنا .. بعضنا فقط .. طبع علي جبينه أن لا يكون مثل أي شئ .. أن يكون طائرا حر طليق يغني ويغير كل شئ يمسه .. جرم صغير انطوي فيه العالم الأكبر ..

   لن أطيل عليك كي لا تكل مني .. لا أنتظر منك رد علي أية حال .

والسلام روح وريحان وليس ختام ..
       ر.أ.ز

1 comments:

Anonymous said...

عظيمة عظيمة عظيمة
ارجو الا تتوقفى عن كتابة خطاباتك تلك فربما ذاك الغريب لا يفقه شيئا منها
لكنها تؤنس صديقة اخرى و تسمعها الحانا رائعة